هناك فجوة متزايدة بين بعض أفراد المجتمع المتعلمين تعليماً عالياً/المثقفين والنظرة العملية للحياة، خاصة في ظل هيمنة الأتمتة والذكاء الصناعي. إن العديد من هؤلاء المثقفين ينتمون إلى اليسار الجديد الذي نشأ في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. الذي ينادي بحقوق الأقليات ويناضل من أجل النسوية ويدعو للإصلاحات السياسية، فهو ناشئ كرد فعل للماركسية.
لقد حدث هذا من قبل، عندما تراجعت النخبة المثقفة عن التقدم. وكان هذا ما أطلق عليه الحركة الرومانسية. ففي مواجهة تسارع التغيير أثناء الثورة الصناعية الذي كان محيراً لأغلبهم، قررت طليعة المجتمع البحث عن أساليب حياة بدائية. وكانت الحركات مثل الفنون والحرف اليدوية، والأساليب الفنية مثل «العالم المجنون» فرانكنشتاين، والحياة القروية الأصيلة في رواية هاردي، كلها تنبئ بشوق بين المفكرين والمثقفين للعودة إلى الماضي.
والآن يُنظَر إلى الرومانسية باعتبارها طريقاً مسدوداً، وخطأً تحول بشكل عجيب إلى المد القومي.
وأنا لا أحب التوقف وبناء الأفكار بناء على رد الفعل، لأنه لا يمكننا إلا أن نتحرك إلى الأمام، وعلينا أن نكتشف كيف سيبدو هذا التقدم. إن المستقبل سوف ينتهي به الأمر إلى أن يكون أكثر ثراءً بالمعرفة والقدرات من الحاضر، ونحن بحاجة إلى تطوير ثقافاتنا للتعامل مع هذا. خلال القرن التاسع عشر، تقدمت أوروبا على المستوى التكنولوجي ولكنها ركدت على طول عدد من الأبعاد الثقافية.
انتهى هذا الركود الفكري بالدموع في القرن العشرين عندما كان هناك قوميون رومانسيون يحملون البنادق الآلية والدبابات. وشنت الحربان العالميتان على التوالي. وعمل الفكري والثقافي كجنود لدى قائد الجيش. بل وألفوا الكتب لتسويغ مواقفه وتبرير معاركه.
ولا يوجد سماسرة نزيهون.
لعل قلقي يبرره اعتقادي أننا في عصر رومانسي ثانٍ حيث تتجه الطليعة الثقافية إلى الداخل ولا تتفاعل مع وتيرة التغيير المتسارعة التي حددها العلم.
إن الثقافة والتكنولوجيا لا بد وأن يتطورا معاً، وقد خرج جني التكنولوجيا بالفعل من القمقم. ولا يجوز لنا أن نتجمد في مكاننا. بل لا بد وأن نجعل القوى التي أطلقها العلم قوى إنسانية، أكتب هذه السوانح على خلفية مشهد بث على شبكات الإنترنت مطلع الأسبوع لرجل آلي لكم شاشة تلفزيون فكسرها حين قال الرجل الذي يمتلكه أمام بث مباشر: (إن هذا الروبوت بلا فائدة).